في يوم ممطر //خديجة راشدي
ذات غصّة قلب، عانقت نبض أوردتها، ومضت تجوب استكانة الكمد، تصارع امتداد الشارع، ترمي الخطى مبللة بزخات المطر، تصارع ذاكرتها التي اعتقلها فجأة النسيان، ترتعش أناملها وهي تلمس جبينها خلسة علها تتذكر ما الذي حصل وجعلها تجوب الطرقات دون هداية، متكدسة لحد الاختناق بزخم السؤال...
صباح يتوغل في أعماق الشرود يبعثر خطواتها، صباح ليس ككل الصباحات متغطرس وغامض، تتهاوى ملامحه كأوراق الخريف حين تتشبَّع بِمِياهِ النهر، وجهها يرشف قطرات المطر مرغما، أنفاسها تتبخر مع أمشاج القطرات، خصلاتها مبللة منسابة كأعمدة الليل المختال تحت ضياء القمر..
والمظلة ترتجف بين أناملها مندهشة خائرة القوى أمام هذا الهطول المجنون، تتداعى أوصالها، تنكسرأضلعها، تحلق نحو الوهن، لم تستطع التماسك... كما لم تتمكن صاحبتها من فك عناد النسيان، حائرة تمخر ردهات الذاكرة، تمطط أشرعة غموضها الذي يسري بها نحو التيهان، جاهدة تحاول لملمة شظايا أرصدة التحدي...
فتحت حقيبتها علّها تعثر على شيء يتدفق بها نحو التجلي، نحو وميض يجرف الخطوط المبهمة الممتدة أمامها كَ-لُجَّة قاتمة من الهذيان... دون جدوى... مسحة الشحوب تُسْدل ستائرها على شاشة فكرها، تجعل الطريق أدغالا رهيبة أمام حيرتها...لملمت شفاه الحقيبة بعصبية، فانْفلتت من يدها بغْتة..سقط الهاتف في لجة الماء، مسْتسلما لتداعيات أوصاله.. بينما المظلة انهالت عليها الأمطار بغزارة تجلدها، بعدما أزاحتها الرياح ورمت بها بعيدا، متهالكة الأكتاف، تلْتفِتُ خلفها، معاتبة أنامل صاحبتها الرؤوم وعبثية اللحظة تعزف سيمفونية الانكسار...
خطواتها تقضم المسافة المبهمة بعزم وإرادة، تصارع سطوة الكمد، حذاؤها يفيض حسْرة، يلملم خيباته، يلعن عجزه عن حماية أقدامها الناعمة..يمْقُت الشارع الممتد أمامه كَ-سِراط من العذاب..!
ارتجف جسمها الرشيق في براح معطفها...خطواتها النابضة تدوس مسرعة أوردة الإسفلت، تراءت لها سيارة الأجرة فجأة، بحثت في جيْبِ المعطف ..فهي لحد اللحظة الأخيرة ما زالت لم تتذكر شيئا
تحسست ورقة صغيرة، توهَّجتْ مُقلتيها وتمتمت: "العنوان!" وابتسامة مُحْتضرة مرَّت على ثغْرِها كالبرق
استراحت في بطن المقعد الخلفي، تنفست الصعداء......
.....................................!